خالتي .. يا صاحبة القلب الحنون وداعًا
الكاتب : الدكتور عاطف عبود- شفاعمرو
خالتي يا صاحبة القلب الأبيض الحنون، الذي لم تدنّسه قساوة الأيّام. يا صاحبة الفكر النّيّر، الذي انشغل بهموم النّاس ومشاكلهم، ولم يعرف يومًا الراحة. يا صاحبة الجسد المُتعب من ثقل السّنين. يا زيتونة غضّة الأغصان، وقفت في وجه أعاصير الحياة، يا صاحبة الوجه المبتسم، إليكِ، أيتها الخالة الحبيبة الغالية، ألف تحية وسلام.
خالتي الغالية، رغم الذّكريات، أحاول التقاط الكلمات، فلا يُسعفني الفِكرُ، ويخونُني
القلم. فمهما أقول، لا تَرقى الكلمات بوصف إنسانة عظيمة، مسيرة حياتها، عشرة
عقود ونيّف. قضتِ ثمانية منها في عطاء بلا حدود. حيث لم تعرف شمالها ما
فعلت يمينها. نعم عطاءٌ بلا حدود. الزّيتون لم ينقطع، والزّيت لم ينضب، المذاق
خاص والنكهة مميّزة.
للصّغار، كنت مثل النّدى للأزهار، وكالشّمس، تُشعّين الدفء بالأرجاء،
وكالعطر الفوّاح تملئين المكان شذىً وأريجا.
رحلت أيتها القدّيسة، من دون وداع. ذابت الشّمعة، وما زال النّورُ مُشِعٌ.
إنه الموت على رجاء القيامة. جفّت الدّموع في المآقي. وحشة الفراق والحنين،
أذابت الصّخر. رَحلتِ من عالمنا الفاني، إلى عالم الأبديّة، "فمع القدّيسين أرِح أيها
الرّبُّ الإله، نفس أمتك، حيث لا وجعٌ ولا حزنٌ ولا تنهُّد، بل حياةٌ لا تفنى".
ذكراك العطرة، وبصماتك، باقيةٌ ولن تُمحى. في الأردن، في عمّان وإربد، أراك
تُسرعِين الخَطْوَ، تُولّدين حاملًا، تُدثّرين طفلاً، تُمرّضين يافعًا، وتغرسين أشتالًا،
تسقينها من دمع عينيك.
في عكا أقمت عيادةً للعيون، على أعلى المستويات، لم يكن لها مثيلٌ في البلاد. في
شفاعمرو، غرست بساتين أطفال ومازالت، تنشر العلم والمعرفة والمحبّة وقيم
الأخلاق.
لأخواتك الرّاهبات، كنت أمًّا حنون أينما حللت. سبعون عامًا من العطاء.
في السّنة الأخيرة، أقعدتك الأيّام، لكنّ المسبحة الورديّة، لم تبرح أناملك، ولسانك
يلهج ليل نهار، بتسبيح الخالق الإله. ومن حولك أخواتك الرّاهبات، حاضناتُك
بمحبّةٍ. لم يتركنَك لحظةً، وبذلن قصارى جهودهنّ، في السّهر على راحتك.
فطوبى لهن.
الرّاحة الأبديّة أعطها يا رب، ونورك الدّائم فليشرق أمامها
ليكن ذِكرُك مؤبّدًا