حَقيقةٌ شُجاعَةٌ وَمُذْهِلَةٌ
الكاتب : مايا أَنجيلو ترجمة عن الإنجليزية: د. يوسف حنا
"حقيقة شجاعة ومذهلة" هي القصيدة الثانية لمايا أنجيلو التي أُلقيت أمام الجمهور في الذكرى الخمسين لتأسيس الأمم المتحدة، بتاريخ 26 يونيو 1995. على عكس أشهر قصائد أنجيلو "ما زلت أَنهض" و "امرأة استثنائيّة" و "الطائر الحبيس" هذه القصيدة تحتفل بالإنسانية. تُمجِّد أَنجيلو في هذه القصيدة الوجود الذي يربط كل إِنسان بآخر. تشير إلى حقيقة أن الشخص الشجاع يمكن أن يتلفظ بها ويمكن للإنساني أن يفهمها. كما وتتحدَّث عن مجموعة متنوعة من المفاهيم قبل أن توضح وجهة نظرها بأننا، نحن البشر، مخلوقات خارقة يمكنها خلق عالم أفضل لأجيالها القادمة.
نحنُ، هؤُلاءُ النّاس، عَلى مَجَرَّةٍ صَغيرةٍ ومُتَوَحِّدة
مُسافِرونَ في فَضاءٍ عَرَضِيٍّ
نُجومٌ مُنعَزِلَةٌ دابِرَةٌ، عَبرَ الطَّريقِ لِشُموسٍ غَيرِ مُبالِيةٍ
إِلى وِجهَةٍ تخبرُنا فيها كُلُّ العلاماتِ
مِنَ المُمْكِنِ وَالضَّروري أَنْ نَتَعَلَّمَ
حَقيقَةً شُجاعَةً وَمُذهِلَةً
وَعِندَما نَصِلُ إِلَيْها
إِلى يَوْمِ تَحْقيقِ السَّلامِ
حينَما نُطْلِقُ أَصابِعَنا
مِن قَبضَةِ الضَّغينةِ والعَداوَةِ
وَنَسْمَحُ للهَواءِ النَّقيِّ بِتَبريدِ راحَةِ أَيْدِينا
عِندَما نَصِلُ إِلَيْها
تَكونُ السِّتارَةُ في حَفلِ الكَراهِيَّةِ قد أُسْدِلَتْ
وَتَكونُ الوُجوهُ المبلَّلَةُ بالازْدِِراءِ قَد نَظِفَتْ
وَحينَ تَتَوَقَّفُ ساحاتُ الوَغى واسْتادُ الكولوسيوم
مِنْ جَرْفِ أَبناءِنا وبناتِنا الفَريدينَ وَالمُمَيَّزينَ
مَعَ العُشْبِ المَسْحُوقِ بالكَدَماتِ والمُلَطَّخِ بالدِّماءِ
لنتَمَدَّدَ في رُقعَةٍ مُماثِلةٍ مِن أَرضٍ أَجنبيَّة
عِندَما يَتَوَقَّفُ الجَشَعُ لاقْتِحامِ الكَنائِسِ
وَيَكُفُّ صُراخُ العَرْبَدَةِ في المَعابِدِ
عِنْدَما تُلَوِّحُ البَيارِقُ بِمَرَحٍ وَبَهْجَةٍ
عِندَما تَخْفُقُ الرّاياتُ بِجُرْأَةٍ
في النَّسيمِ العَليلِ النَّظيفِ، لِانْتِصارِ العالَم
عِندَما نَصِلُ إِلَيْها
عِندَما نَتْرُكُ البَنادقَ تَسْقُطُ عَنْ أَكتافِنا
ويُلْبِسُ الأَطفالُ دُمْياتِهِم أَعلامَ الهُدْنَة
عِندَما تَتِمُّ إِزالَةُ أَلغامِ المَوْتِ مِنَ الأَرضِ
وَيُمْكِنُ للمُسِنّينَ أَن يَتَنَزَّهوا في أُمسِياتٍ آمِنة
عِندَما لا تَكونُ الطُّقوسُ الدينِيَّةُ مُعَطَّرَةً
بِبَخورِ اللَّحْمِ المُحتَرِقْ
وَعِنْدَما لا نَرْكُلَ أَحْلامَ الطُّفولَةِ وَنوقِظُها
بكَوابيسِ الانْتِهاكِ وَالإِذلال
عِندَما نَصِلُ إِلَيها
عِندَها سَنَعتَرِفُ أنَّ الأَهراماتِ وحِجارَتِها
ليْسَتْ مُنَظَّمَةً بِإِتْقانٍ وَكَمالٍ غامِض
وَلا حَدائقُ بابلَ معلقةٌ
كَما لَوْ كانَتْ الجَمالَ الأَبَدي
في ذاكِرتِنا الجَماعِيَّةِ
لَيْسَ مَغيبُ الشَّمسِ الغَربي
مَنْ أَضْرَمَ في الـ (چراند كانيون)
لَوْنَ النَّبيذِ اللَّذيذ
وَلا نَهْرُ الدّانوب، الّذي يَضُخُّ روحَهُ الزَّرقاءَ في قَلْبِِ أُوروبا
وَلَيْسَتْ قِمَةُ جَبَلِ فوجي المُقَدَّسَةُ
ما يَمْتَدُّ إِلى الشَّمسِ المُشْرِقَة
لَيْسَ الأَبُ أَمازون وَلا الأُمُّ ميسيسيبي، بِدونِ مُحاباةٍ،
مَنْ يَرعى جَميعَ المَخْلوقاتِ في الأَعماقِ وَعَلى الشَّواطِئ
هؤُلاءُ لَيْسوا عَجائِبَ الدُّنيا الوَحيدَة
عِندَما نَصِلُ إِلَيْها
نَحْنُ، هؤُلاءُ النّاس، عَلى هذِهِ الكُرَةِ الأَرضِيَّةِ الضَّئيلَةِ وَعَديمَةِ الثَّروَة
مَنْ يَصِلُ يَوْمِيّاً إِلى القُنبُلَةِ وَالنَّصْلِ وَالخِنْجَر
ومَع ذلِكَ، نَحْنُ مَنْ يَلْتَمِسُ في الظّلامِ رُموزَ السَّلامِ
نَحْنُ، هذا الشَّعبُ عِندَ هَباءِ شُؤونِنا
تَتَمَسَّكُ أَفواهُنا بِالكَلِماتِ المُهتَرِئَةِ
الّتي تَتَحَدّى وُجودَنا ذاتَه
وَلكِنْ مِنْ نَفسِ تِلكَ الأَفواهِ
تَعْلو أَغانٍ بِمِثلِ هذِهِ الحَلاوَةِ الرّائِعَةِ
تَجْعَلُ القَلْبَ يَتَعَثَّرُ في مَخاضِه
وَالجَسَدَ يَجْمَدُ مِنَ الرَّهْبَة
نَحْنُ، هؤُلاءُ النّاس، عَلى هذا الكَوْكَبِ الصَّغيرِِ المُنْساقِ
مَنْ يُمْكِنُ أَنْ تَضرِبَ يَدُهُ بِمِثلِ هذا الاسْتِهْتارِ
الَّذي في طَرْفَةِ عَيْنٍ، يَسْتَنْزِفُ الحَياةَ مِنَ الأَحياءِ
َوَمَعَ ذلِكَ، يُمْكِنُ لِتِلكَ الأَيْدي نَفَسها أَنْ تُلامِسَكَ بِمَسْحَةِ الشفاءِ وَالحَنانِ السّاحِرِ
الَّذي يَسْعَدُ لِثَنْيِ العُنُقِ المُتََكَبِّرَةِ
وَيَبتَهِجُ لانْحِناءِ الظَّهرِ المُتَفاخِرِ
مِنْ هذِهِ الفَوْضى، مِنْ هذا التَّناقُضِ
نَتَعَلَّمُ أَنَّنا لَسْنا شَياطينَ وَلا آلِهَة
.
عِندَما نَصِلُ إِلَيْها
نَحْنُ، هؤُلاءُ النّاس، عَلى هذا الجَسَدِ العائِمِ الجَموحِ
خُلِقْنا عَلى هذِهِ الأَرضِ، ِمنْ هذِهِ الأَرضِ
لَدَينا القُدْرَةُ عَلى الابْتِكار لِهذِهِ الأَرض
مناخ فيه يستطيعُ كلُّ رجلٍ وكل امرأةٍ
العيشَ بحريَّةٍ بدون مُعْتَقَدٍ أَو نفاقٍ دينيّ
بِدونِ خوفٍ مُقَيِّدٍ وَمُحْبِط
عِندَما نَصِلُ إِلَيْها
يجب أن نعترف بأننا المُسْتَطاعُ
نحن الإِعجازُ الخارِقُ، عَجائبُ هذِهِ الدُّنيا الحَقيقِيَّةُ
كُلُّ هذا عِنْدَما، وفقط عِنْدَما
نَصِلُ إِلَيْها.