المطران جمال خضر، أسقف جيبوتي في لقاء خاص مع "القيامة": لا أفهم كيف لمن يدمر ويقتل أن يتفاخر بأعماله الوحشية اللاإنسانية
ترأس المطران جمال خضر دعيبس، أسقف جيبوتي والصومال، يوم الأحد 9 حزيران، القداس في كنيسة القديس يوسف للاتين في شفاعمرو، وبعده عقد لقاء مع المطران جمال خضر في قاعة الكنيسة افتتحه وأداره الكاتب والصحفي زياد شليوط، رئيس تحرير موقع "القيامة"، متمنيا أن يتم تعيينه بطريركا على أبرشية القدس قريبا، كما شارك في طرح الأسئلة عدد من أبناء الرعية، وننقل إليكم أهم ما جاء من حوار مع سيادته.
القيامة: هل لكم أن تحدثنا سيادتكم أولا عن جيبوتي؟ طبيعتها، ما يميزها، سكانها وغيرها؟
المطران جمال: تعد جيبوتي من أصغر البلدان مساحة في أفريقيا، حيث تبلغ مساحتها 23,200 كيلومتر مربع، ويُقدر عدد سكانها بحوالي مليون نسمة. إنّ مدينة جيبوتي هي عاصمة جمهورية جيبوتي السياسية والاقتصادية، فهي مركز الدولة، وتتركز فيها الغالبية العظمى من السكان، حيث يتجاوز عدد سكانها: 600.000 نسمة، أي أكثر من نصف السكان يتركزون في العاصمة.
يمثل المسلمون ما نسبته 94% من سكان جيبوتي البالغ عددهم 864,000 نسمة، أما النسبة المتبقية فهي من المسيحيين.
جيبوتي بلد فقير لكن موقعه استراتيجي، ويحضر إليه مهاجرون من أثيوبيا في ظروف صعبة للهجرة من بعدها الى اليمن، لا أحد يذكر هؤلاء اللاجئون فالاعلام يهتم ويتحدث عن الذين يهاجرون الى أوروبا عبر البحر، أما الهجرة من أثيوبيا لجيبوتي فلا أحد يلتفت إليها، ربما لأنها في أفريقيا.
القيامة: ماذا تفعل الكنيسة والمؤسسات المسيحية اذا في جيبوتي، وماهي نوعية الخدمات التي تقدمها؟
المطران جمال: ترعى الكنيسة هناك مدارس ابتدائية ثانوية مهنية، ومجموعة مدارس لمحو الأمية للبنات والأولاد، خاصة الذين لم يدخلوا المدارس فيدرسون ثلاث سنوات قراءة وكتابة وحساب، وبعدها عليهم اجتياز امتحان ليكملوا تعليمهم بالمدارس. لدينا رهبانيات تتولى مسؤولية عدة مدارس في العاصمة جيبوتي، وأربع مدن مختلفة خارج العاصمة وهي: أركا، علي صالح، تاجورا وأبق. لدينا مدارس لكن ليس فيها طلاب مسيحيون، لكن هذه هي رسالة المؤسسات المسيحية هناك وهي موجودة لخدمة الجميع. في العاصمة مجموعة صغيرة من الطلاب المسيحيين تبلغ نسبتهم 10% وفي بعض المدارس تخلو من الطلاب المسيحيين، لكن رسالتنا موجهة لكل الناس وهذه رسالة قديمة بدأت في القرن التاسع عشر 1885 أول بدء تواجد الرهبان والمدارس. في البلد جيبوتي التي استقلت سنة 1977 عن فرنسا قبل 40 سنة بدأوا الاهتمام بالمدارس، بينما المدارس الكاثوليكية موجودة منذ فترة طويلة وهي معروفة هناك، ومستواها ممتاز والجميع يقدر دورها، ورئيس الدولة درس في مدرسة كاثوليكية. هذه المدارس مهمة لأنها تعطي مستقبلا وأملا لأولئك الطلاب.
القيامة: هل يقتصر التواجد الخدماتي المسيحي على الرهبنات والكنيسة؟
المطران جمال: كلا، لدينا جهة أخرى "كاريتاس" قريبة من المطران، وهي لخدمة أفقر الفقراء. وكاريتاس هي مؤسسة كاثوليكية مقرها الرئيس في روما ومعناها (المحبة)، وهدفها تقديم الخدمات لأكثر الناس فقرا، وهي موجودة في معظم الدول. في جيبوتي عملها بالأساس مع أولاد الشوارع المشردين، وهم اما فقراء أو مهاجرين، وكثير منهم لوحدهم يحضرون بدون ذويهم. تقدم لهم الكاريتاس خدمة وجبات طعام، نوم، اغتسال، عيادة، لعب، تدريس، وهم يرون بالمركز الذي يحضنهم مأوى وأمانا. هذه الخدمة مهمة جدا ولكم أن تتخيلوا مدى أهميتها. وهناك تقدم المساعدات لكل محتاج وليس للمسيحيين فقط
رسالة الكنيسة تختلف في جيبوتي، فلدينا مهاجرين من الهند وفرنسا، لكن الأغلبية من الدول الأفريقية، ويلتقون كلهم في الكنيسة. وأذكر أني مرة قلت لهم في عظة عيد العنصرة، أنه في القدس التقى التلاميذ من 15 جنسية مختلفة، وهنا وجدنا أكثر من 45 جنسية مختلفة، لدينا تنوع جميل جدا، وهو بلد ذو ثقافة أفريقية.
العلاقات الداخلية جيدة الكل يقدر شغل الكنيسة المجاني للجميع. في لقائي مع رئيس الحكومة لم أجد حاجة للحديث عن مدارسنا فيعرفها بكل تفاصيلها والكاريتاس بعمله المجاني. نتمتع بالاحترام هناك ابتداء من رأس البد حتى ابن الشارع الذين نحضنهم ونرعاهم.
القيامة: هل تعتبر جيبوتي بلدا آمنا وهل تتوفر فيه السياحة؟
المطران جمال: جيبوتي بلد آمن، من حوله الصومال غير مستقر، أُثيوبيا تخوض حروبا أهلية، أريتريا واليمن فيها حروب وصراعات، من المهم الحفاظ على الاستقرار الداخلي في جيبوتي هو بلد آمن داخليا. لكن جيبوتي ليس بلدا سياحيا، طبيعته صعبة، جرداء، لا تساعد على السياحة. هناك من يحضر من الأجانب لعمل أو الخدمة العسكرية، يحاولون اليوم بناء بنى تحتية لتشجيع السياحة بمساعدة الصين، لكن جيبوتي ليست سياحية بالمفهوم التام لهذه الكلمة. من المؤسف أنهم يفرضون ضريبة على تذكرة السفر تفوق سعر التذكرة، هذا لا يعقل، لا أفهم هذا الاجراء لبلد فقير تنعدم فيه السياحة.
القيامة: ننتقل إلى بلادنا وواقعنا. نشعر مؤخرا أن كثيرا من المسيحيين فقدوا الشعور الإنساني وباتوا غير آبهين بالقتل في غزة، كيف تنظر الى ذلك وكيف يمكن أن نعيد إلى أنفسنا إنسانيتنا الآخذة بالتراجع؟
المطران جمال: سمعنا عن قتل 240 شخصا في غزة من أجل إنقاذ أربعة مخطوفين، وقتل سابقا موظفين اثنين من كاريتاس في قصف دير الروم الأرثوذكس، النظرة للإنسان يتخللها نزع إنسانية الانسان. بتنا ننظر إلى الشخص هذا مهم وهذا غير مهم. نظرة الايمان أن كل انسان خلقه الله بغض النظر عن لونه، مثلا السود لا أحد يأبه لهم. يجب أن يكون لدينا معيار واحد لا يميز بين البشر بنظرة لا إنسانية. معاييرنا واحدة، المسألة ليست أي جهة مسؤولة انما الحفاظ على النظرة الانسانية المسيحية وألا ندع كل العوامل الأخرى تفقدنا النظرة الإنسانية. ما جرى في غزة مهول هذا لا يعني أن ما جرى في 7 أكتوبر مقبول. نحن انطلاقنا من ايماننا. لدينا خطورة في نزع إنسانية الانسان. عندما نتكلم هناك قيمة للكلام. نزعوا إنسانية غزة جعلوا كل غزة حماس. لا أفهم كيف لمن يدمر ويقتل أن يتفاخر بأعماله الوحشية اللاإنسانية، ايماننا أن أنظر نظرة جديدة لكل انسان منحه الله الإنسانية كثيرا وألا نحكم حسب اللون، مثلا السود نحن جئنا لخدمتهم وليس التعالي عليهم بسبب لونهم، قيمتهم أمام الله مثل أي انسان آخر في العالم.
القيامة: الحرب خسارة ودمار، هل نتجاهل ما حصل في 7 أكتوبر وننكر بعض التجاوزات، أم علينا استنكار كل عمل اجرامي؟
المطران جمال: لما أصدروا نداء في أوروبا من أجل المهاجرين في أوكرانيا حصل تفاعل كبير جدا، في ذات الوقت حرب أهلية في السودان وملايين من اللاجئين لم يحصل تفاعل يذكر معهم. المسؤول في روما قال يظهر أنهم ينظرون إلى لون البشرة، إذا كان أشقر وذي عيون خضراء يمدون له يد المساعدة، اذا كان أسود لا أحد يهتم به. يميزون بين البشر وفق لون بشرتهم، بدل أن ننظر للانسان على أنه انسان وليس وفق لون بشرته، ديانته، جنسه، نوعه وغيره، هذه الالتزامات هي من الشيطان عندما نقلب الأمور هذا من عمل الشيطان. بينما يسوع يجمع ولا يفرق، حتى أعداؤه الكتبة الذين يلاحقونه قال لهم صلّحوا موقفكم مني وتعالوا للحوار، لأن المهم لدى السيد المسيح والمعيار هو من يعمل بمشيئة أبي.