البابا فرنسيس في كتابه الصادر اليوم يشير إلى أماكن الصراع وتجاوز القانون الدولي خاصة في غزة
القيامة - صدر اليوم الثلاثاء، في إيطاليا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية، كتاب "الرجاء لا يخيب أبدًا. حجاج نحو عالم أفضل"، الذي حرره هيرنان رييس ألكايدي (Edizioni Piemme)، ويحتوي على لقاءات مع البابا فرنسيس، ويصدر بمناسبة يوبيل 2025. يتأمل فيه الحبر الأعظم حول العائلة والتربية والوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للكوكب والهجرة وأزمة المناخ والتكنولوجيات الجديدة والسلام.
علينا أن نردّ بعولمة المحبة والتعاون
كتب الأب الأقدس أعيد التأكيد هنا أنه "من الضروري معالجة الأسباب التي تثير الهجرة في بلدان المنشأ". ومن الضروري أن تضمن البرامج التي يتم تنفيذها لهذا الغرض، في المناطق التي تعاني من عدم الاستقرار وأشكال الظلم الأكثر خطورة، أن يكون هناك فسحة لتنمية حقيقية تعزز خير جميع السكان، ولاسيما الأطفال، رجاء البشرية. وإذا أردنا أن نحلّ مشكلة تؤثّر علينا جميعًا، ينبغي علينا أن نفعل ذلك من خلال إدماج المهاجرين في بلدان المنشأ والعبور والمقصد والعودة. وإزاء هذا التحدي، لا يمكن لأي بلد أن يُترك بمفرده ولا يمكن لأحد أن يفكر في معالجة المشكلة بمعزل عن الآخرين من خلال قوانين أكثر تقييدًا وقمعًا، يتم إقرارها أحيانًا تحت ضغط الخوف أو بحثًا عن ميزات انتخابية. بل على العكس، فكما نرى أن هناك عولمة اللامبالاة، ينبغي علينا أن نردّ بعولمة المحبة والتعاون، لكي تتمَّ أنسنة ظروف المهاجرين.
ما يحدث في غزة له خصائص الإبادة الجماعية وينبغي التحقيق فيه بعناية
لنفكّر في الأمثلة الأخيرة التي رأيناها في أوروبا. إن الجرح الذي لا يزال مفتوحًا بسبب الحرب في أوكرانيا قد دفع آلاف الأشخاص إلى ترك منازلهم، لاسيما خلال الأشهر الأولى من النزاع. ولكننا شهدنا أيضًا استقبال العديد من البلدان الحدودية بدون قيود، كما في حالة بولندا. وقد حدث شيء مماثل في الشرق الأوسط، حيث لا تزال الأبواب المفتوحة لدول مثل الأردن أو لبنان تشكل الخلاص لملايين الأشخاص الهاربين من النزاعات في المنطقة: أفكر بشكل خاص في الذين يغادرون غزة في خضم المجاعة التي أصابت الإخوة الفلسطينيين إزاء صعوبة إدخال الطعام والمساعدات إلى أراضيهم. ووفقًا لبعض الخبراء، فإن ما يحدث في غزة له خصائص الإبادة الجماعية. وينبغي التحقيق فيه بعناية لتحديد ما إذا كان ينطبق عليه التعريف الفني الذي صاغه الخبراء القانونيون والهيئات الدولية. علينا أن نشرك بلدان المنشأ لأكبر تدفقات الهجرة في دورة حميدة جديدة من النمو الاقتصادي والسلام تشمل الكوكب بأسره. ولكي تكون الهجرة قرارًا حرًا حقًا، من الضروري السعي إلى ضمان مشاركة متساوية للجميع في الخير العام واحترام الحقوق الأساسية والوصول إلى التنمية البشرية المتكاملة. فقط إذا تم ضمان هذه القاعدة الأساسية في جميع دول العالم سيكون بإمكاننا القول إن الذين يهاجرون يفعلون ذلك بحرية، وسيكون بإمكاننا التفكير في حل عالمي حقيقي للمشكلة. أفكر بشكل خاص بالشباب، الذين غالبًا ما يتسببون بهجرتهم في تصدع مزدوج في جماعاتهم الأصلية: الأول لأنها تفقد أكثر عناصرها ازدهارًا وفاعلية والثاني لأن العائلات تتفكك.
يجب وضع حد لشروط التبادل التجاري غير المتكافئة بين مختلف البلدان
ولكن لتحقيق هذا، علينا أن نقوم بخطوة أولية أساسية تتمثل في وضع حد لشروط التبادل التجاري غير المتكافئة بين مختلف بلدان العالم. ففي الروابط بين العديد منها، تم تأسيس خيال معين يظهر ما يشبه التبادل التجاري المفترض، ولكنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون مجرد صفقة بين شركات تابعة تنهب أراضي البلدان الفقيرة وترسل منتجاتها وعائداتها إلى الشركات الأم في البلدان المتقدمة. يتبادر إلى الذهن على سبيل المثال القطاعات المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية الجوفية. إنها العروق المفتوحة في تلك الأراضي.
عندما نسمع هذا الزعيم أو ذاك يتحسر على تدفقات الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا، كم من هؤلاء الزعماء أنفسهم يتساءلون عن الاستعمار الجديد الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم في العديد من الدول الأفريقية؟
نحن نعلم أن "نظرية التداعيات المواتية" لا تعمل لا في اقتصاد البلد الواحد ولا في تضافر الأمم. علينا أن ندعم بلدان الضواحي، وفي كثير من الحالات بلدان منشأ الهجرة، لتحييد الممارسات الاستعمارية الجديدة التي تسعى إلى إدامة عدم التماثل. وعندما سيصبح العالم في وضع يسمح له بإبرام اتفاقات لتعزيز التنمية المحلية للذين قد ينتهي بهم المطاف إلى الهجرة، من المهم أن يتصرف حكام تلك البلدان، المدعوون إلى ممارسة سياسة جيدة، بشفافية وأمانة وبُعد نظر وفي خدمة للجميع، ولاسيما الأكثر ضعفًا. وعندما يتم استقبال المهاجرين ومن ثم حمايتهم، يجب أن يتمَّ تعزيزهم. وإذ أدعو إلى أن تُفتح الأبواب أمامهم، أحث أيضًا على تعزيز نموهم المتكامل، وإعطائهم الفرصة لكي يحققوا أنفسهم كأشخاص في جميع الأبعاد التي تكوِّن الإنسانية التي أرادها الخالق.
إنَّ ادماج المهاجرين الوافدين إلى أوروبا هو أمر أساسي
ومن ناحية أخرى، يمكن للهجرة التي تدار بشكل جيد أن تساعد في معالجة الأزمة الخطيرة الناجمة عن تراجع نسبة الولادات في العديد من البلدان، وخاصة في أوروبا. إنها مشكلة خطيرة ويمكن للأشخاص القادمين من دول أخرى أن يساعدوا في حلها إذا تم إدماجهم بشكل كامل وتوقفوا عن اعتبارهم مواطنين "من الدرجة الثانية". إنَّ ادماج المهاجرين الوافدين هو أمر أساسي. نحن نخاطر بأن ما يراه البعض خلاصًا في الحاضر سيصبح هلاكًا في المستقبل. ستكون الأجيال القادمة هي التي ستشكرنا إذا تمكنا من تهيئة الظروف لإدماج لا غنى عنه، ولكنها ستلومنا إذا شجعنا فقط على الاستيعاب العقيم. وأشير إلى الادماج الذي يمكن مقارنته بشكل مُتعدِّد الوُجوه من حيث الخصائص، حيث يحتفظ كل شخص بخصائصه الخاصة، وهو نموذج مختلف تمامًا عن الاستيعاب الذي يتجاهل الاختلافات ويتمسّك بشكل صارم بنماذجه الخاصة.
تحرّك الطلاب من أجل عالم أكثر عدالة وأفضل بيئة
لقد تابعتُ عن كثب التحرّك الهائل للطلاب في العديد من المدن وأعرف بعض الأعمال التي يناضلون من خلالها من أجل عالم أكثر عدالة ومتنبهًا لحماية البيئة. هم يتصرفون بقلق وحماس ولاسيما بحسٍّ بالمسؤولية تجاه التغيير العاجل للمسار الذي تفرضه علينا المشاكل الناجمة عن الأزمة الأخلاقية والاجتماعية والبيئية الحالية. إنَّ الوقت ينفد، ولم يعد أمامنا الكثير لإنقاذ الكوكب، وهم يذهبون ويخرجون ويتخذون موقفًا. وهم لا يفعلون ذلك من أجل أنفسهم فقط، بل يفعلون ذلك من أجلنا ومن أجل الذين سيأتون من بعدنا.
في عالم يزداد سرعة ويميل إلى ثقافة "الاستخدام والتخلص"، تساعد هذه المبادرات الأشخاص على عدم فقدان ارتباطهم بالطعام والتقاليد المحلية المرتبطة به. إنها مبادرات معاكسة للاتجاه السائد، ولكنها ليست بالضرورة رجعية؛ بل تهدف إلى استعادة العلاقة بين الغذاء والروابط الاجتماعية.
لتكن كرامة كل رجل وامرأة شغلنا الشاغل عند بناء مستقبل لا يُستثنى منه أحد. فالمسألة لم تعد مجرد مسألة ضمان استمرارية الجنس البشري على كوكب مهدد، وإنما ضمان احترام هذه الحياة في جميع الأوقات. وإذا كنا لم نتمكن في مواجهة المشكلة البيئية من الاستجابة في الوقت المناسب، فيمكننا أن نفعل ذلك في مواجهة ما يُنظر إليه على أنه أحد أكثر التحولات عمقًا في التاريخ البشري الحديث، وهو تغلغل الذكاء الاصطناعي في جميع مجالات حياتنا اليومية.