إعلان يسوع للتطويبات - لوقا ٦: ٢٠-٢٦

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

٢٠وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه وقال: طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله. ٢١طوبى لَكُم أَيُّها الجائعونَ الآن، فَسَوفَ تُشبَعون. طوبى لَكُم أَيُّها الباكونَ الآن، فسَوفَ تَضحَكون.٢٢طوبى لَكُم إِذا أَبغَضَكُمُ النَّاس ورَذَلوكم وشتَموا اسمَكُم ونَبذوهُ على أَنَّه عارٌ مِن أَجلِ ابنِ الإِنسان. ٢٣افرَحوا في ذٰلك اليَومِ واهتزُّوا طَرَبًا، فها إِنَّ أَجرَكُم في السَّماءِ عَظيم، فهٰكذا فَعَلَ آباؤهُم بِالأَنبِياء. ٢٤لٰكِنِ الوَيلُ لَكُم أَيُّها الأَغنِياء، فقَد نِلتُم عَزاءَكُم. ٢٥الوَيلُ لَكم أَيُّها الشِّباعُ الآن، فسَوفَ تَجوعون. الوَيلُ لَكُم أَيُّها الضَّاحِكونَ الآن فسَوفَ تَحزَنونَ وتَبكون. ٢٦ الوَيلُ لَكُم إِذا مَدَحَكم جَميعُ النَّاس فَهٰكذا فَعَلَ آباؤُهم بِالأَنبِياءِ الكَذَّابين.

إعلان يسوع للتطويبات - لوقا ٦: ٢٠-٢٦

الحرب. اليوم ٣٤٠

"وأَنتَ يا رَبِّ ارحَمْني، وأَقِمْني فأَجزِيَهم" (مزمور ٤١: ١١).

ارحمنا، يا رب. ارحم غزة وكل ضحايا هذه الحرب الهوجاء، اللاإنسانية، إنها إهانة للإنسان وإهانة لجلالك العظيم، أنت أبونا، وربُّنا وخالقنا. أبانا الذي في السماوات، بحق صلاحك، بحق حبك لنا جميعًا، كل المتحاربين، كل الأطراف، ارحمنا. أبانا ارحمنا. أوقف جنون أبنائك، في أعمالهم التي لا معنى لها. ذكِّرْنا كلنا بحبك، يا رب. ارحمنا، يا رب.

إنجيل اليوم

"وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه وقال: طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله. ٢١طوبى لَكُم أَيُّها الجائعونَ الآن، فَسَوفَ تُشبَعون. طوبى لَكُم أَيُّها الباكونَ الآن، فسَوفَ تَضحَكون.٢٢طوبى لَكُم إِذا أَبغَضَكُمُ النَّاس ورَذَلوكم وشتَموا اسمَكُم ونَبذوهُ على أَنَّه عارٌ مِن أَجلِ ابنِ الإِنسان. ٢٣افرَحوا في ذٰلك اليَومِ واهتزُّوا طَرَبًا، فها إِنَّ أَجرَكُم في السَّماءِ عَظيم، فهٰكذا فَعَلَ آباؤهُم بِالأَنبِياء" (٢٢٠-٢٣).

وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه... جاء يسوع ليخلِّص، ليُرجِعَ إلى الحياة ما قد هلك. رفع عينيه نحو تلاميذه، ورأى فيهم وفي الجموع المقبلة إليه مأساة الإنسانية كلها، رأى الفقراء والأغنياء، والجياع والعطاش، والمحزونين، ورأى أصحاب السلطان المستبدين الظالمين، ورأى المظلومين... رأى مأساة البشرية كلها. وقدَّم للجميع طريقة للخروج من المأساة، ولتحويلها إلى حياة. لكنها طريقة غير منتظرة، معاكسة لكل توقع بشري: قال: طوبى للفقراء، وللجياع، وطوبى لكم إذا أبغضوكم. طوبي لكم إن كنتم في قلب المأساة. تمامًا ما يناقض توقعاتنا البشرية.

ومع ذلك، يَعِدُ يسوع بمستقبل أفضل. الفقير سيكون له ملكوت الله، والجائع سيشبع، والباكي الآن سيرى أيامًا أفضل. والمتروكون والمنبوذون والمظلومون والمضطهَدون، سينالون مكافأتهم في السماء.

سيكون مستقبل أفضل في السماء. وعلى هذا الإيمان، عاش المؤمنون حياتهم، في كل زمن، وتحملوا الآلام، بانتظار المكافأة في السماء. لكنَّا نطرح السؤال: الأرض نفسها هل تتغير؟ هل يتغيّر الناس صانعو المأساة، وسبب الشر لأنفسهم ولغيرهم؟

ما نراه، في تاريخ البشرية، بعد إعلان يسوع للتطويبات، هو مزيج من نعم ولا: هناك أناس، كثيرون، قد تغيروا، وصاروا صانعي صلاح، وأحبوا إخوتهم، في كل مجالات المجتمع. لكنّا نرى أيضًا أناسًا لا يتغيَّرون وما زالوا صانعي شر، وسبب حروب ومجاعات وعبوديات وظلم إنسان لإنسان ... الأرض صارت لكثيرين انتظارًا للسماء، وما زالت لكثيرين مأساة، من دون أمل.

لكن الأرض ليست فقط مأساة، بل هي أيضًا انتظار وأمل لما هو أفضل، وهذا ليس بناء على تفاؤل بشري عام، بل بناء على كلمة الله: سيكون لكم ملكوت الله.

يسوع، كلمة الله الأزلي، ابن الله، هو معنا، فيما نصنع تاريخنا البشري. المأساة البشرية صارت صليب يسوع، صليب الخلاص، هنا على الأرض، وبعد هذه الأرض.

صليب يسوع نور وانتظار ومصدر أمل.

فقراء جائعون باكون، مبعدون عن الناس، مكروهون، وفي الحروب والاستبداد والظلم ... هذا جزء من واقعنا. لكن كمال واقعنا هو أن الله أيضًا معنا. رفع يسوع نظره نحو تلاميذه، فرأى المأساة البشرية، التي جاء يحملها على نفسه، وجاء يدعو الجميع، الفقراء والمظلومين، لكي يتبعوه، ويضموا جهودهم إلى عمله لإعادة بناء البشرية والأرض.

لسنا وحدنا. لا تكن حياتنا حياة وحيدة من دون الله في ويلاتنا الكثيرة، بل لتكن مع صليب يسوع وفي نور القيامة. كما ينظر يسوع إلى مأساة البشرية، لننظر نحن إلى يسوع، إلى صليبه وقيامته. لنعلَمْ أننا لسنا وحدنا، بل نحن معه، ومعه نَفدِي الأرض ونحررها من الشر ونقدِّسها.

ربي يسوع المسيح، أعطني أن أفهم تعليم التطويبات. أعطني ألا أحيا وحدي، ألا أواجه مأساة الحياة وحدي، بل معك ومعك أعمل لإعادة بناء الأرض. آمين.

الأربعاء 9/10/2024                     بعد الأحد ٢٣ من السنة/ب