أَحد عشر عاماً على فراقه لكنْ... جـبّـور فـي القـلـب
القيامة - تمر في هذه الأيام الذكرى السنوية الحادية عشرة لرحيل الطبيب الانسان والفنان، جبور خوري من قرية عبلين، الذي رحل عنا في وقت مبكر، ليس قبل أن يترك بصمة وذكريات عديدة في جنبات مجتمعنا. وفي هذه الذكرى ينشر موقع "القيامة" كلمة لصديقه الدكتور، الشاعر والمترجم يوسف حنا.
أخي... يا من لم تلده أُمّي ...
مَضَتْ السنونُ وكنا نُباركُ الفرح، منذ التقيتُك لأولِ مرّة، منذ خمسة وثلاثين عاماً حين جمعتْنا الزمالة في مستشفى العائلة المقدسة في الناصرة، امتلكتَ حيزاً كبيراً في حياتي، كطبيبٍ ماهرٍ متواضع وزميلٍ دمثٍ ومخلص، فكنتَ محوراً جامعاً لكلِّ الزملاء تاركاً عندَهم بصمة ً لا يمحوها الدّهر. عمِلنا معاً وكبُرَتْ أحلامُنا معاً وكان لا بدّ لدروبِنا أن تفترقَ لتحقيق طموحِنا الجارف، إلا أن الصداقةَ الحقّة كانت أقوى من المسافات، فتواصَلنا في حبّنا للعلم والمعرفةِ وشغفنا بالموسيقى وعشقِنا للأدب والشعر والجمال، فزاد حبّي وتقديري لك ولأصدقائِك الرائعين من عبلين مع تأسيس بيتِكم الجديد والذي اتّخذ َ من "المحبّة" اسماً وعنواناً له. أقمتم معارضَ للكتاب والندوات والمحاضرات بشتى المواضيع، وكنتم نموذجاً يُحتذى به للأجيال الفتيّة في حبِّ المعرفة والتعلُّم والثقافة، وما كانت المخيماتُ الرائعة في الطنطورة للتسلية فحسب وإنما كانت لكم فيها رؤية أعمق لتنشئة جيلٍ يُحْسنُ الواحدُ محبةَ واحترامَ الآخر، فغرستم فيهِم حبَّ التطوّعِ والعطاء. أوليس هذا هو العملَ الوطنيّ بعينِه؟!
كانت لجبور عينٌ ثاقبة ٌلا تترك التفاصيل الدقيقة في كل ما تناول، فإن طَرَقَ باباً لم يتركه دون التوغلِ في تفاصيله، بعمقِ الباحث المجهري، فعندما عشق التصوير لم يبخل بالوقت والمال لمعرفة كلِّ جوانبِه الفنيّة والتقنية، وجاءَنا بمعرضٍ من الصور الفوتوغرافية، عالي المستوى، سجّل ووثق فيه نكبة شعبنا وأطلالَ قراه المهجرة.
كانت حياة جبور فجراً وربيعاً، أرادها حلماً عانق به السماء. كالطير الطليق رأى الشمس بيتاً والعمرَ ماء.
يا صديق العمر! لم تتركنا في غيابك القسْري، فحضورُك فينا باقٍ، تـُطِلُّ علينا مع إشراقةِ كل صباح كما الياسمينة في الدار، تَفتَحُ بَتـَلاتِها البيضاءَ لاستقبالِ النـّدى قبل طلوع الشمس، دعوه يغفو على ضِفـّةِ نهرٍ يسابقُ المياه، وليُسَجَّلْ غيابُهُ على صفحاتِ الحُضور.