أحد الثالوث الأقدس - متى ٢٨: ١٦-٢٠

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

١٦ وأَمَّا التَّلاميذُ الأَحَدَ عَشَر، فذَهبوا إِلى الجَليل، إِلى الجَبَلِ الَّذي أَمَرَهم يسوعُ أَن يَذهَبوا إِليه. ١٧ فلَمَّا رَأَوهُ سَجَدوا له، ولكِنَّ بَعضَهُمُ ارْتابوا. ١٨ فَدَنا يسوعُ وكَلَّمَهم قال: إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض. ١٩فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، ٢٠ وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم.

أحد الثالوث الأقدس - متى ٢٨: ١٦-٢٠

الحرب ٢٣٠

        "ارْجِعْ يا إِلهَ القُوات تَطلع مِنَ السَّماءِ وانظُرْ، وافتَقِدْ هذه الكَرمَة، واحْمِ ما غَرَسَت يَمينُكَ، أَحرَقوها بِالنَّارِ كأَنَّها نُفاية. مِن تَجَهّمِ وَجهِكَ يَهلِكون" (مزمور ٨٠: ١٥-١٧).

        ارحمنا، يا رب. الناس يقتلوننا، وأنت تريد لنا الحياة. " تَطلَّعْ مِنَ السَّماءِ وانظُرْ، وافتَقِدْ هذه الكَرمَة، واحْمِ ما غَرَسَت يَمينُكَ القديرة". افتقد الإنسانية التي خلقتها وأحببتها. افتقِدْ غزة ورفح، وأبناءك الذين لا تحكم أنت عليهم

        بالموت. وافتقد القاتلين أيضًا، لأنهم هم أيضًا أبناؤك، وأعِدْهم إليك. رمِّم أنت، يا رب، الدمار الذي يحدثه الناس.

اللهم، ارحم، وأوقف انتقام الإنسان، أنت وحدك المنتقم. وأنت وحدك تقيم العدل والسلام، وترمم الإنسانية، في هذه الحرب. ارحمنا، يا رب.

 

        إنجيل اليوم

        أحد الثالوث الأقدس. سر الله الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد. أب واحد يحِبُّ كل خلقه، الناس والطبيعة. أبونا يحِبُّنا ويجعلنا قادرين مثله على أن نحِبّ، نحبُّه ونحيا معه، ونحيا معًا، في مثل حبه لنا، في حبِّه الذي يعطي، ويبني الأرض ويصنع منها مسكنًا لائقًا له ولنا.

        سعيدون في بيت الله. فرحت حين قيل لي: إلى بيت الله نمضي. لنقيم أخربة الأرض، ونعيد بناء أرض الله. ونجعلها مسكنًا لله أبينا ولنا نحن أبناءه.

        نعيش على الأرض، في حروب الناس، ناظرين إلى الله أبينا. سر الإنسان المخلوق على صورة الله، وسر الله الثالوث القدوس الذي هو، والذي يرى، والذي يحب، إله واحد، أبونا الذي في السماء.

        نعيش في شقاء الأرض وويلاتها، أعيش مع كل ضعف فيَّ، ومع كل ضعف في إخوتي وأخواتي، أعيش الشر في إخوة وأخوات أيديهم امتلأت بالدماء، وأنظر إلى الله، الذي هو والذي يرى والذي يحب.

        قال يسوع: وأنا إذا رُفِعْتُ على الصليب، جذبْتُ إليَّ الجميع. ورُفِعَ يسوع، رفعه الناس، على غير وعي منهم، لا يعلمون ماذا يصنعون، -وقد أكون أحيانًا معهم، وأنا أيضًا غير واعٍ ولا مدرك، - ويسوع، مهما كان لا وعينا وجهلنا، يجذبنا، ويرفعنا فوق شرورنا.

        نعم، واقعنا هو الموت، والخطيئة، وغياب المحبة، وغيابٌ عن الله، - لكن واقعنا هو أيضًا واقع آخر، هو الله فينا. قال يسوع: "إنَّ أبِي مَا يَزَالُ يَعمَلُ، وَأَنَا أَعمَلُ أَيضًا" (يوحنا ٥: ١٧). إنه يخلقنا، يخلق الواقع الآخر فينا، الحياة معه، وهو حبه ونوره وفرحه.

        واقعنا هو غير الموت الذي نموته. واقعي هو غير الخطيئة التي فيَّ. واقعي هو الله فيَّ، وأنا مرتفع مع يسوع على الصليب، لأحيا، لا لأموت.      

        "وأَمَّا التَّلاميذُ الأَحَدَ عَشَر، فذَهبوا إِلى الجَليل، إِلى الجَبَلِ الَّذي أَمَرَهم يسوعُ أَن يَذهَبوا إِليه. فلَمَّا رَأَوهُ سَجَدوا له، ولكِنَّ بَعضَهُمُ ارْتابوا. فَدَنا يسوعُ وكَلَّمَهم قال: إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض. فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (١٦-٢٠).

        نرى يسوع على الأرض، القائم من بين الأموات، قاهر الموت، ونسجد له. هو الحياة، هو الخالق ورب كل الخلق، هو رب أرضنا، حيث قلوبنا في وسط العاصفة، على وشك أن تهلك. هو الكائن، وهو المحب، وهو الذي يرفعنا إليه والذي يرسلنا. يرسلنا لنعمِّد، لنُري ونمنح الجميع الحياة الجديدة، ودعوة الجميع إلى حياة الآب والابن والروح القدس.

        أحبنا وأرسلنا، لنمنح الحياة للجميع. هذه هي الحياة، في جميع عواصف الأرض، في الحياة المستحيلة على الأرض، لكنها الحياة الممكنة في حب الله أبينا. فأُحِبّ كما يحِبّ، وأحيا مع يسوع المرفوع على الصليب.

        ربي يسوع المسيح، عشتَ زمنًا معنا على الأرض، إنسانًا مثلنا، مع شقاء الإنسان وويلاته، لتشفي الإنسان. وشَفَيْتَ كل مرض وعلة. وقهرت الموت. والآن امكُثْ معنا، يا رب، في معركتنا مع أنفسنا، حتى نكون معك، نحيا حياتك، في وسط عواصف الأرض. آمين

الأحد ٢٦/٥/ ٢٠٢٤                      أحد الثالوث الأقدس