حِمّة طبريا – ينابيع مياه طبيعية ومعابد قديمة متعددة

الكاتب : الأب رائد أبو ساحلية، راعي كنيسة القديس يوسف للاتين في الرينة

مدخل: نعرف عادة الحمة السورية غير البعيدة عن بحيرة طبريا، وبالذات على الحدود الأردنية الفلسطينية السورية، حيث تقاطع مصب نهر اليرموك... وحيث توجد المياه المعدنية الحارة المفيدة للجسم لاحتوائها على عناصر معدنية غنية.

حِمّة طبريا – ينابيع مياه طبيعية ومعابد قديمة متعددة

لكني تفاجأت بوجود "حمة طبريا" في الجهة الغربية للبحيرة، بمحاذاة الشارع الرئيسي الى الجنوب من مدينة طبريا.. والذي يجذبك ويلفت الانتباه المبنى ذو القبتين، وعندما تدخل تجدُ حمامات مياه معدنية حارة، وبقايا آثار رومانية أهمها البوابة الجنوبية لمدينة طبريا، وبقايا فسيفساء جميلة في أرضية الكنيس اليهودي، والكثير من القناطر والأقواس..

التاريخ، التراث، الطّبيعة:

تعرض الحديقة الوطنية حَمة طبريا واحدة من أروع وأفخر أرضيات الفٌسيفساء الموجودة في الكُنس القديمة في البلاد. تنبع في الموقع ينابيع مياه ساخنة كما وفيها مبنى حمام تُركي يعود للقرن الـ18 محافظ عليه بشكل رائع.

أماكن ومعالم للزيارة:

الينابيع الحارة: ينبع في نِطاق الحديقة الوطنية 17 ينبوعا حراريا، درجة حرارة المياه فيها تصل حوالي 60 درجة مئوية. المياه غنية بالأملاح معظمها كلوريدات الصوديوم والكالسيوم والبعض الآخر بوتاسيوم، بروميد وكبريتات. نسبة الملوحة تصل إلى 36.5 غرام أملاح لكل لتر ماء. يتم نقل المياه إلى حمامات طبريا عن طريق نظام قنوات تحت أرضية. تعلو هذه القنوات مداخن لتحرير ضغط البُخار، ما يُمكن الزائر من مُشاهدة انبعاثاتها.

زوائد المياه والمياه الخارجة من حمامات طبريا بعد استعمالها تُجمع في منشأة تتبع لشركة “مكوروت” ضمن نطاق الحديقة الوطنية ويتم نقلها إلى مشروع المياه المالح (لنقل المياه المالحة ومنعها من دخول بحيرة طبريا من أجل الحفاظ على جودة مياهها ومنع ارتفاع الملوحة فيها).

كنيس سيفيروس: يقع الكنيس داخل مدينة حمة طبريا القديمة، بالقرب من الجدار الجنوبي وبوابة المدينة. تم بناؤه ثلاث مرات: الكنيس الأول شُيّد عام 230 بعد الميلاد، على أنقاض مبنى عام قديم. ربما تهدم في المئة الثالثة للميلاد وتبقت منه قطعة فسيفساء صغيرة. موجودة في الطرف الجنوبي لأرضية الفسيفساء المركزية للكنيس على مستوى منخفض بعض الشيء.

الكنيس الثاني كان قائمًا في المئة الثالثة والرابعة للميلاد، تبقت منه أرضية فُسيفساء فاخرة، وهي واحدة من أقدم أرضيات الفسيفساء التي وجدت في الكُنس القديمة في بلادنا. الأرضية مقسمة إلى ثلاثة سجاجيد: الجزء الشمالي يصور أسدين تتوسطهما تسعة نقوش مكتوبة باليونانية لتخليد ذكرى المتبرعين، تتوسط السجادة المركزية دائرة الأبراج التي تُحيط بشخصية هيليوس إله الشمس، وفي السجادة الجنوبية رسمت خزانة أسفار التوراة "أرون هقودش" ورموز يهودية مثل شمعدانان سُباعيان، بوق وحزمة من سُعف النخيل.

في الزوايا الأربعة للفسيفساء، صُوِّرت أربع نساء يَرمُزن إلى فصول السنة، المحاصيل الزراعية واللباس يدلان على الموسم. يَذكر أحد النقوش اسم شخص يدعى سيفيروس، الذي ترعرع في منزل “הנשיאים המהוללים”. البعض يُسمي الكنيس على اسمه – كنيس سيفيروس.

إله الشمس في وسط الفُسيفساء وشخصيات عارية لرجال في بُرج الميزان وبرج الدلو تثير التساؤلات. ما لِكُلّ ذلك وللكنيس؟ تم العثور على لوحات مماثلة في كُنس أخرى مثل أرضية الفسيفساء في بيت ألفا. مُلفت للنظر تعدد الأسماء اليونانية المذكورة في النقوش. يبدو أن هذه الظاهرة تشير إلى أن اليهودية شعرت بالأمان الكافي ولم تخشَ أي تهديد لمكانتها.

على ما يبدو أن كنيس سيفيروس تَهَدَم في الهزة الأرضية التي حدثت في بداية القرن الخامس ميلادي. على أنقاضه تم تشيد بناء أكبر فيه قاعة مجزأة بواسطة صفين من الأعمدة إلى ثلاث مساحات. في الطرف الجنوبي خلف السقيفة توجد حَنية صلاة شبه دائرية. نَشَط هذا الكنيس حتى القرن الحادي عشر مع بعض التغيرات التي أُجريت عليه.

تم ترميم الكنيس وصيانته وإعادة بناؤه وهو محاط اليوم بجدران من الزجاج تسمح للزائر مشاهدة المناظر الطبيعية، أنقاض المباني السكنية القديمة، والكنيس الذي بُني لاحقًا. المبنى مُكيّف.

حمام سُليمان: في أوائل العصر الإسلامي (القرن الثامن) لم تكن في حمة طبريا بلدة كبيرة، لكن الحمامات الساخنة استمرت في العمل. جغرافيون ورحالة مسلمون ذكروا الحمامات في كتابتهم. أنشئ حمام سليمان عام 1780، في زمن أحمد باشا الجزار حاكم ولاية عكا. قَدم الحمام خدماته حتى عام 1944 للسكان المحلين من المنطقة وللحجاج الذين وَفَدوه من أجل التعافي والشفاء في مياهه.

أقيمت أعمال ترميم وصيانة لمبنى الحمام وتعتبر زيارته تجربة رائعة. المبنى بمثابة متحف يوثق عادات الاستحمام القديمة التي جرت في الحمام (قاعة الحمام مُكيّفة).

النبع الروماني: نبع مياه صغير تجري مياهه داخل قناة مفتوحة. يمنح الزوار فرصة لفحص حرارة المياه وملوحتها. عادةً يجف النبع عند انخفاض مستوى بحيرة طبريا.

أنقاض حمامات قديمة: في الطرف الجنوبي للموقع توجد أنقاض حمامات من العصر الروماني. لم يتم التنقيب عن هذه المنطقة بعد، باستثناء بركة استحمام جدرانها مقصورة، وأقواس من الحجارة التي دعمت مبنى علوي لم ينجُ.